کد مطلب:332549 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:494

عبدالرحمن بن فیصل
هو الذی تولی الإمارة أیاما بعد أخیه سعود، وهو الذی طرده ابن أخیه محمد

بن سعود، وهو الذی أقامه ابن رشید ثانیة، وهو أیضا والد الملك عبد العزیز الشهیر. أشرنا إلی أن ابن رشید أقام مندوبا ورقیبا علی عبد الرحمن، وأراد عبد الرحمن أن یتخلص من هذا المندوب الرقیب وهو سالم السبهان، فسجنه، وقیل: إنما سجنه، لأنه حاول اغتیاله بأمر ابن رشید، ومهما



[ صفحه 92]



یكن، فقد توجه ابن رشید إلی الریاض، وأطلق سراح السجین. ولما رأی عبد الرحمن قوة ابن رشید بنجد شعر أنه بین أمرین: إما أن یحارب ابن رشید، وإما أن یخضع له كموظف عنده.. ولا طاقة له علی الأولی، ولا تطیعه نفسه علی الثانیة، فلم یبق أمامه إلا الرحیل.. وهكذا فعل. رحل عن نجد بأهله سنة (1309)، وظل متنقلا فی الأمصار.. فذهب أولا إلی الأحساء، ثم إلی الكویت، ثم إلی قبائل بنی مرة بقرب الربع الخالی، ثم إلی قطر، ومنها عاد إلی الكویت، واستقر فیها مع عائلته وأولاده، وكان عمر ولده عبد العزیز آنذاك عشر سنوات. وعین له أمیر الكویت الشیخ محمد بن الصباح مرتبا إلی أن خصصت له الدولة العثمانیة ستین لیرة عثمانیة فی الشهر، فقطع ابن الصباح عنه المرتب، وعاش هو وأفراد عائلته فی شدة وضیق. الملك عبد العزیز أو الأسطورة عبد العزیز بن عبد الرحمن أول من لقب بالملك من السعودیین.. كانت الشمس منذ القدیم كما نراها الیوم تطلع من المشرق، وتتواری فی المغرب، ولم یصادف فی یوم أن أشرقت حیث تغیب، أو غابت حیث تشرق، أما الأحداث التی تقع بین الشروق والغروب فهی كل یوم، بل كل ساعة فی شأن.. فور وغور، وصعود ونزول.. لا قاعدة، ولا ضابط، ولا مقیاس ینتظم كل شئ، ولا یشذ عنه شئ.. تری النجاح منك قاب قوسین أو أدنی، وإذا أنت فی الأرض، والنجاح فی السماوات العلی، وتری نفسك غریقا تتقاذفك الأمواج، وإنك ستلفظ النفس الأخیر، وإذا بك علی الیابسة تتنفس الصعداء فرحا وسرورا.



[ صفحه 93]



وتری هذا یزحف كالسلحفاة، وینطلق ذاك إلی المریخ، وبین طرفة عین وانتباهتها تری الزاحف فی الطلیعة، والسابق جمادا لا یستطیع الحراك. ومهما شككت فإنی لا أشك أبدا أن الحكمة من ذلك أن لا ییأس الضعیف، فیذل ویخنع للقوی، وأن لا یطغی القوی فیتحكم بالضعفاء، وأن لا یحزن الفاقد، ولا یفرح الواجد، وأن یضع الجمیع نصب أعینهم أن الغالب قد یصیر مغلوبا، والمغلوب غالبا.. والتاریخ وحده یعطینا الدرس الصحیح، لا النظریات ولا الفلسفات [1] .

وإلیك هذا الدرس من الترایخ القریب: لقد استرجع الفتی البالغ من العمر 20) عاما ما كان لآبائه وأجداده، وهذا الفتی هو عبد العزیز اللاجئ وأبوه عبد الرحمن فی الكویت، استرجع ملك الآباء والأجداد، ولكن لا بالمال، ولا بالجیوش، ولا بالانتخاب، ولا بتألیف الأحزاب وإعلان الشعارات المغریة، ولا بالإضراب والمظاهرات، ولا بتغیر الزمن بسبب حرب عالمیة، ولا بشئ من ذلك، بل بأسطورة، هذا موجزها. كان عبد العزیز وأبوه عبد الرحمن لاجئین عند الشیخ مبارك أمیر الكویت، وذات یوم جاء الفتی عبد العزیز إلی الشیخ مبارك، وقال له: أرید أن أنقذ نجدا من ابن رشید، فهل تساعدنی بالمال والعتاد؟. وسخر الشیخ من الفتی، ولكنه لم یشأ أن یصدمه، فأعطاه مئتی



[ صفحه 94]



ریال، وثلاثین بندقیة، وأربعین جملا، فأخذها ومضی هو وبعض أرحامه وأصحابه، ولا یتجاوز عدد الجمع أربعین رجلا.. وكانوا یسیرون لیلا، ویتوارون نهارا، وإذا احتاجوا إلی الطعام اختطفوا شاة أو بعیرا من هنا وهناك، وظلوا یواصلون السیر إلی أن بلغوا الریاض لیلا، وهم أهلها، وأعرف الناس بما فیها، ومن فیها، فتسلقوا الحائط إلی منزل الحاكم الرشیدی عجلان، وطافوا فی أنحائه، وبدأوا بالخدم، فألقوا القبض علیهم، وشدوا وثاقهم، واقتحم عبد العزیز ببندقیته حجرة الحاكم، فوجد زوجة عجلان وأختها، ولم یجد عجلان. ولما سألهما عنه قالتا: إنه یبیت فی الحصن المجاور للبیت، وكان الفجر قد طلع فأسبغ القوم الوضوء، وصلی بهم عبد العزیز صلاة الصبح جماعة فی بیت عجلان، ثم جلسوا فی البیت كأنهم أهله وأصحابه.. وما أن طلعت الشمس، حتی فتح باب الحصن، وحاول المهاجمون اقتحامه، واغتیال الحاكم، وإذا به یخرج من الحصن متوجها إلی بیته، فاستقبله عبد العزیز برصاصة أصابته فی غیر مقتله، ولكن ابن جلوی السعودی أجهز علیه، وأرداه قتیلا، وذبح المهاجمون عددا كبیر من حامیة الحاكم. وما شاع خبر هذه المفاجأة فی المدینة، حتی استولی علیهم الذهول، وخافوا سوء العاقبة، فسارعوا إلی تقدیم الولاء والطاعة.. وذلك فی (3) شوال سنة 1319 ه‍). الموافق (15) كانون الثانی سنة (1902 م). ونقل عبد العزیز والده من الكویت إلی الریاض، واحتفظ الوالد بلقب إمام، والولد برئاسة الحكومة، وقیادة الجیش، وانتقل من نصر إلی نصر، فقتل ابن رشید واستتب له الأمر بنجد، وأخذ الأحساء والقطیف، والحجاز وعسیر، ومات أبوه عبد الرحمن سنة (1928)، وله من العمر 78) عاما، مات بعد أن رأی ولده ملكا علی جمیع الأراضی الواقعة



[ صفحه 95]



الآن تحت سیطرة حفیده سعود بن عبد العزیز. وكما كان ابن رشید حلیفا مخلصا للأتراك، فقد كان عبد العزیز حلیفا دائما، وصدیقا وفیا للانكلیز، فكان یذكرها ویشكرها فی خطبه وغیرها، وهذا مثال من أقواله بحق الانكلیز، جاء فی خطبة ألقاها بمكة المكرمة عام (1362 ه‍)، قال: " ولا یفوتنی فی هذا الموقف أن أتمثل بأنه من لم یشكر الناس لم یشكر الله، فأثنی علی الجهود التی قدمتها الحكومة البریطانیة بتقدیم بواخر الحجاج، وتسهیل سفرهم، كما أثنی علی مساعدتها، ومساعدة الحلفاء القیمة، ومتابعتهم تتمیم تموین البلاد، وما یحتاجه الأهالی من أسباب المعیشة وغیرها، وكذلك لا بد من الإشارة إلی أن سیرة البریطانیین معنا طیبة من أول الزمن إلی آخره ". ویعلم الكبیر والصغیر أن الإنكلیز والحلفاء، وأیة دولة استعماریة یستحیل أن تفعل شیئا بقصد الخیر والإنسانیة، وإذا فعلت مع بلد من البلدان ما یبدو كذلك فإنما تتخذ منه وسیلة إلی التسرب إلی أسواقه، والسیطرة علی مقدراته.. إن الاستعمار ینافق ویتصنع، لیمتص دماء الشعوب.. وغریب أن تخفی هذه الحقیقة علی الملك عبد العزیز، وأن یقول، وهو الوهابی الذی یصلی فی أول الوقت، حتی فی بیت عدوه عجلان.. غریب أن یقرن شكر الله بشكر الإنكلیز، ویقول: من لم یشكر الناس - أی الإنكلیز - لم یشكر الله، هذا مع العلم بأن الوهابیة - كما قدمنا - یقولون بفساد الصلاة وجمیع العبادات إن أدیت عند قبر نبی أو ولی، لأنها، والحال هذه، تكون مشوبة بعبادة صاحب القبر، أو تؤدی إلیها بزعمهم.. إذن، كیف ربط الملك عبد العزیز شكر الله بشكر الإنكلیز، بحیث لا یقبل الأول بدون الثانی؟.. وبعد أن ضعف



[ صفحه 96]



الإنكلیز حل محلهم الأمیركون. ودام حكم عبد العزیز (64) سنة من سنة (1309) إلی سنة 1373 ه‍). وتولی الحكم بعده أولاده سعود ثم فیصل فخالد ففهد الملك الحالی. آل سعود یقطعون الرؤوس البشریة ویقدمونها مع الطعام وقد روی حافظ وهبه (المستشار السعودی) فی كتابه " جزیرة العرب " عن الطاغیة الملك عبد العزیز الأخیر المتوفی سنة (1953) فقال: (قال عبد العزیز بن عبد الرحمن آل سعود لقد قاومت دعوتنا كل القبائل أثناء قیامها وكان جدی سعود الأول قد سجن عددا من شیوخ قبیلة مطیر فجاءه عدد آخر من القبیلة یتوسطون بإطلاقهم ولكن سعود الأول قد أمر بقطع رؤوس السجناء ثم أحضر الغذاء ووضع الرؤوس فوق الأكل وطلب من أبناء عمهم الذین جاؤوا للشفاعة لهم أن یأكلوا من هذه المائدة التی وضعت علیها رؤوس أبناء عمهم و.. لما رفضوا الأكل أمر سعود الأول بقتلهم!.) ویقول حافظ وهبه فی كتابه جزیرة العرب فی القرن العشرین: " لقد قص هذه القصة الملك عبد العزیز علی شیوخ قبیلة مطیر الذین جاؤوا للاستشفاع فی زعیمهم فیصل الدویش قبل أن یقتله عبد العزیز لیبین لهم أن عبد العزیز سیقتلهم أیضا إذا لم یمتنعوا عن طلب الشفاعة لزعیمهم فیصل الدویش).. بعد هذه المقدمة الدالة علی أصله الیهودی ووحشیته أمر الملك الطاغیة عبد العزیز - بقتل فیصل الدویش - وتوضأ بدمه ثم قام لأداء الصلاة!. لماذا؟.. لأن فیصل الدویش قد استیقظ ضمیره أخیرا وانقلب علیه بعد أن رأی الدویش أن الملك الطاغیة عبد العزیز كان لا یركع إلا لأوامر الإنكلیز،



[ صفحه 97]



واستیقظ الدویش بعد أن وقع عبد العزیز للإنكلیز بإعطاء فلسطین للیهود فی مؤتمر العقیر عام (1922).. بهذا الأسلوب سارت الدعوة السعودیة الوهابیة من أول قیامها لا أهداف لها إلا النهب والسلب والسرقة والكذب والدجل والفجور والفسوق كل ذلك باسم الدین، ولكنی كما قلت عن شعبنا، إنه لم یقف منها موقف المتفرج، فقد قاومها فی كل مكان [2] .



[ صفحه 99]



ثلاثة الأصول.. ویوسف بن مقرن الیاهو ألقت الثورة الیمانیة (القبض) علی یوسف بن مقرن الیاهو فی 19 / 12 / 1962 م) حینما تسلل إلی الیمن، واعترف یوسف بكل تحركاته بین فلسطین المحتلة والجزیرة العربیة، واعترف بصلاته الوثیقة العریقة بآل سعود، واعترف بالكتاب المذكور حینما سألناه عنه، وقال: " لقد حزنت كثیرا علی هذا الكتاب الذی أخذه منی جون فیلبی بناء علی طلب من عبد العزیز آل سعود فی رسالة قال فیها عبد العزیز إنه یرید طبعه لكنه تبین أن عبد العزیز یرید أن یخفی الكتاب لكیلا ننشره نحن الیهود، ولكیلا یقع بید غیرنا من الیهود أیضا، لأن لعبد العزیز أعداء من الیهود التقدمیین لا یؤیدون طریقته، وحینما راجعت عبد العزیز حول الكتاب وقلت له: " دعنا نتولی طبعه نحن "، ضحك عبد العزیز وهو یسخر من هذا الكلام وقال: " هذا الكلام هو الذی جعلنی أطلب الكتاب منكم، لأننی علمت بعزمكم علی تسریبه للیهود فی فلسطین لیتخذ منه بعضهم وسیلة ضغط كبیرة ضدی تجعلنی أسیر حسبما یرون. وهم لا یدركون عواقب سیرنا المكشوف حسب أهوائهم



[ صفحه 100]



وحسبما یریدون، لا حسبما تقتضیه مصلحتنا المشتركة ". وقال لی عبد العزیز: " وعلی ل حال فإن الكتاب موجود لدی الأخ عبد الله فیلبی فتشاور معه عن موضعه ". ولما ذهبت إلی فیلبی وسألته عن الكتاب قال فیلبی: " لقد نقلت وصورت ما یهمنی من الكتاب وسلمته لعبد العزیز ". فقلت لفیلبی: " إننی أخشی أن یحرقه عبد العزیز " فقال فیلبی: " إنه فعلا ینوی إحراقه " ثم تراجع وطمأننی عبد العزیز بعد أن قرأت له الكتاب، بقوله: (إنه كتاب مهم وهو لیس " نبع نجران المكین فی تراث أهله الأولین "، فقط، وإنما هو نبع العالم كله فی تاریخ الیهود). وقال جون فیلبی: " یا أخ یوسف.. إن الكتاب لدی عبد العزیز وقد أقسم لی أنه لن یذهب منه الكتاب إلا إذا ذهبت روحه، وإنه إرثه الوحید الذی یرید توریثه لا لكل أولاده وإنما لأعز أولاده، وقد اطلع علیه جمع [3] كثیر من أقاربه، وإخوته ومنهم شقیقه: عبد الله بن عبد الرحمن، اطلع علیه قسم [4] من كبار أولاده، وقال لهم عبد العزیز: (علی كل حال یعیالی - أنا ما أطلعتكم علی هذا الكتاب إلا لتعرفوا أنكم أنتم وحدكم فی هذا العالم الذین جمعتم المجد من أطرافه الثلاثة فأنتم: یهود، عرب، مسلمین، إنها " ثلاثة الأصول " الحقیقیة



[ صفحه 101]



التی ذكرها ابن عبد الوهاب)!.. هذا ما قاله یوسف بن مقرن الیاهو باعترافاته فی الیمن، وقد أذیعت من الإذاعة قبیل الساعة الخامس من بعد ظهر یوم (20 / 12 / 1962) كما اعترف أنه مواطن سعودی، وسافر بجواز سعودی إلی فلسطین عام 1947) بمهمة، وأخذ یتردد بعدها بین إسرائیل والأردن، وخیبر، والریاض، ونجران، وجدة، والمدینة، وتبوك، والیمن، وقال: إن لآل سعود علاقات جیدة بإسرائیل، وإنهم یسبونها علنا ویتعاونون معها سرا ". وقال: " مع أن المخفی أصبح مكشوفا فی دوائرهم ". وقال یوسف بن مقرن الیاهو: " وللتغطیة والتستر علی هذا ترونهم یعلنون فی مناسبات شتی: أن المملكة السعودیة لن تقبل بإدخال الیهود الذین یحملون جنسیات أمیركیة مزدوجة، ولكون الأمریكان یدركون أن مثل هذه " الإعلان " ما هو إلا من باب كسب الدعایة أمام الفلسطینیین، والعرب فإنهم یستقبلون مثل هذا الإعلان بالابتسامات العریضة "..


[1] ومن هنا أو من إيمانا لا يشوبه ريب بأن إسرائيل ستمحي من الوجود، وإن بلغت من القوة ما بلغت، وآزرها الغرب والشرق، وهل في قول الله ريب: " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة - آل عمران 112 "؟. ثم كيف تعيش دولة مبدأها وشعارها: " ما دمت فليهلك العالم كله "؟.

[2] تاريخ آل سعود / ص (28).

[3] هذا خطأ نحوي ورد هكذا في الأصل والصحيح هو: " جمعا " و " قسما " علي التوالي. (المصحح).

[4] هذا خطأ نحوي ورد هكذا في الأصل والصحيح هو: " جمعا " و " قسما " علي التوالي. (المصحح).